في تحرك أمني يُشبه خطف الكرة من أمام مرمى الإرهاب في اللحظة الأخيرة، أعلن جهاز المخابرات الليبي عن تفكيك ثلاث خلايا تابعة لتنظيم داعش، كانت تنشط في مجالات غسيل الأموال، والتمويل غير المشروع، والتحويلات الرقمية المشبوهة.
العملية، التي وُصفت بأنها الأكثر دقة خلال العام الحالي، تأتي ضمن جهود وطنية متقدمة لمواجهة خطر الإرهاب العابر للحدود، في ظل تزايد أنشطة التنظيمات المسلحة على الخط الممتد بين شمال أفريقيا والساحل والصومال.
تهريب وممرات سوداء عبر وثائق مزوّرة
علم ايجيبت سكور أن الخلية الأولى كانت تقوم بعمليات تهريب لعناصر داعش من شمال أفريقيا نحو الصومال والساحل، مستخدمة وثائق سفر مزورة، عبر شبكة دعم لوجستي مدعومة محليًا وإقليميًا.
هذه المجموعة اعتمدت على نقاط عبور غير رسمية تربط غرب ليبيا بجنوب تونس وشمال النيجر، مستفيدة من ضعف الرقابة في بعض المناطق الحدودية.
غسيل أموال تحت غطاء “إنساني”
أما الخلية الثانية، فعملت ضمن شبكات تمويه مالي، تحت غطاء “مؤسسات إنسانية”، تدّعي تقديم مساعدات للنازحين من مخيم الهول في سوريا. لكن التحقيقات كشفت أن تلك المساعدات كانت ستارًا لغسل أموال تُستخدم لاحقًا في تمويل عمليات إيواء عناصر التنظيم داخل الأراضي الليبية.
تضمنت الشبكة حسابات بنكية بأسماء متعددة، وعقود وهمية مع شركات خارجية، مما سهّل تمرير الأموال دون تتبع مباشر.
العملات المشفّرة.. الطريق الرقمي للإرهاب
الخلية الثالثة بدت الأكثر تعقيدًا، حيث تولّت تحويل الأموال الرقمية واستثمارها في مشروعات مشبوهة، بهدف إعادة تموضع التنظيم ضمن بنية اقتصادية خفية يصعب تعقّبها.
ووفقًا للبيان الرسمي، فإن الشبكة استخدمت محافظ إلكترونية، ومنصات تداول غير مُرخصة، لتحويل مبالغ ضخمة بعملات مشفرة مثل البيتكوين والتيثر.
العملية تتقاطع مع تحذيرات دولية
العملية الليبية تزامنت مع صدور إحاطة رسمية لمجلس الأمن بتاريخي 21 و30 يوليو 2025، تناولت تصاعد أنشطة تنظيمي داعش والقاعدة في الإقليم، استنادًا إلى قرارات أممية مثل 1267 (1999)، 1989 (2011)، و2253 (2015).
التقرير الأممي شدد على أن شبكات التمويل العابرة للحدود لا تزال تعمل بكفاءة، داعيًا إلى رفع التنسيق الاستخباراتي، وتحسين أدوات تتبّع التحويلات الرقمية، وهو ما يُعطي للتحرك الليبي بعدًا دوليًا يتجاوز المشهد المحلي.
ترحيب دولي وتحذير من ارتدادات لاحقة
وقد رحّب مراقبون دوليون بالتحرك الأمني، معتبرين إياه “خطوة استباقية” تتقاطع مع توصيات لجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة، والتي دعت إلى تقديم تقارير تحليلية نصف سنوية بشأن أنشطة الجماعات الإرهابية وتمويلاتها.
لكنّ بعض الخبراء حذّروا في الوقت ذاته من “الارتدادات المتوقعة”، مؤكدين أن الضغط على هذه الخلايا قد يدفع التنظيمات نحو ابتكار وسائل تمويل جديدة أكثر تعقيدًا وخفاءً.
خلاصة:
في مواجهة مفتوحة لا تعترف بالصافرات، سجّلت ليبيا هدفًا أمنيًا ثمينًا في مرمى الإرهاب الرقمي، لكن الشوط لم ينتهِ بعد.
المطلوب الآن ليس فقط تفكيك الخلايا، بل تفكيك الشبكات المالية التي تقف خلفها، والتنسيق مع الشركاء الدوليين لقطع طرق الإمداد، الرقمية منها والبشرية، قبل أن يُصبح الميدان مكشوفًا مجددًا.