لم تكن المحصلة النهائية للبعثات الرياضية العربية في دورة باريس الأولمبية هي المخيبة الأولى للآمال، فهذا هو الحال منذ عقود الا من حالات استثنائية كانت تحدث من رياضيين وبلاد تطرقت لهم في مقالتي السابقة، وسأخصص موضوع اليوم لرياضة مصر وشباب مصر، مصر العطاء والعمل والمستقبل وليس مصر الماضي، فذاك قد أصبح في ذاكرة التاريخ، ولا عن مصر السياسة التي لها رجالاتها ولا أحسن الغوص في بحورها بل لا احبه.
اما لماذا مصر، فلأنها ببساطة شديدة وعفوية متناهية الدولة الرائدة في عالمنا العربي في كل المجالات بما فيها الرياضة فمن رجالاتها استقينا، العلم، وفي مؤسساتها التعليمية نهلنا من كل المعارف، وعلي يد رجالاتها المتخصصين تطببنا، ومع شبابها تزاملنا وعرفنا اسرار العمل الإعلامي، ناهيك عن الرياضة التي عمل أبناؤها على نشرها بين الشباب العربي من خلال تسلمهم مقاليد الإدارة الفنية كمدربين وحكام، واداريين الذين نقلوا خبراتهم وتجاربهم ومعرفتهم لإخوانهم في معظم بلادنا العربية، اما علاقتي بمصر الأرض فقد بدأت عام 1978 وستظل ان شاء الله.
ورغم كل هذا فقد تخلف الشباب المصري ورياضيو مصر عن الركب الذي تمكن فيه التلاميذ من اللحاق بهم والتفوق عليهم وانا هنا اتحدث عن التواجد الدولي الذي سجلت فيه دول الخليج مجتمعة ومنفردة تفوقا لافتا على الرياضة المصرية فـ السعودية مثلا وصلت الى نهائيات كاس العالم ست مرات في ظرف ثلاثين سنة فقط ، وفازت بميدالية برونزية في العاب القوى، وأخرى في الفروسية في العاب اولمبية سابقة، والبحرين حققت ثلاث ميداليات ذهبية في العاب القوى في باريس، وسجلت قطر حضورا لافتا في بطولات العالم، واستثني هنا المغرب والجزائر الحاضرين دائما في الألعاب الأولمبية حتى وان حدث اخفاق في دورة فانهم حاضرين في معظم الدورات منذ لوس انجلوس 84 وحتى اليوم.
صحيح ان مصر حاضرة بقوة على الساحة الافريقية في بعض الألعاب ككرة القدم التي تحتفظ سجلاتها لمنتخبات مصر، وانديتها بإنجازات كثيرة، اما على مستوى الألعاب الأولمبية او لنقل الا لعاب الفردية فهي لا ترقى مطلقا لمكانة مصر الريادية كأ كبر دولة عربية من حيث عدد السكان ولديها تنوع جغرافي يحقق لها كل شي، وثروات تجعلها في مقدمة الأمم لكن المشكلة في الإدارة، فهل اثيوبيا، وأوغندا وكينيا وحتى جزر الباهاما، وهايتي وغيرها أفضل حالا واقتصادا من مصر؟!
الواقع والمنطق يقولان لا..
اذن اين يكمن الخلل؟
بكل بساطة في الإدارة الرياضية المتعاقبة التي لم تحسن التخطيط للمستقبل، واستثمارمالديها من إمكانات بشرية، ومادية، وجغرافية، وعلمية لتحقيق النهضة او لنقل مواكبة الركب العالمي، فما الحظه والمسه، وكثيرون غيري ممن يهمهم الشأن الرياضي المصري، ان الإدارة الرياضية المصرية أسيرة للماضي العريق في الحضارة، وان الأندية بجماهيريتها نجحت في إيقاف دوران العجلة في حدود ملعبها، ومصالح مدرجات جماهيرها، ولكي تنطلق مصر رياضيا على المستوى الأولمبي والدولي في الألعاب الرياضية المختلفة ، على ادارتها ان تتخلص من هيمنة الأندية على القرار وتقديم مصلحة الوطن أولا وأخيرا ، وان أي نشاط يقام ، و تشارك فيه الجهات هو لخدمة ذلك الهدف.
وإذا سلمنا ان العائق المادي هو السبب تحجيم طموح الرياضيين المصريين فهناك حلول ممكنة من أهمها انشاء صندوق لدعم الشباب والرياضة يستمد مداخيله من رسوم تفرض على الأشياء غير الضرورية في الحياة والتي تضر بحياة الانسان مثل السجائر، المشروبات الغازية، مشروبات الطاقة، وغيرها حيث تعد مصر من أكثر البلاد في استهلاكا لها وبالتالي سيكون المردود خياليا يتجاوز المائة مليون جنية في اليوم الواحد وربما اضعاف هذا الرقم مما يوفر مداخيل ثابته تساعد على اعداد المميزين من الرياضيين للمشاركة النوعية وليس الكمية ، بشرط ان يكون الصرف مقننا، والعمل مدروسا والطريق واضحا، حينها ستنافس مصر أمريكا، الصين، روسيا، واليابان اولمبيا.