لم يكن المولد النبوي الشريف حدثاً عابراً في التاريخ بل هو مناسبة عظيمة كانت سبباً في قيام خير أمة أخرجت للناس لتنشر الخير وتقيم أسس الحق وتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر فبمولده صلى الله عليه وسلم أشرقت الأرض بنور النبوة بعد أن عمت عليها ظلمات الجاهلية العمياء وتلوثت الأرض بالذنوب والمعاصي فأنزل الله تعالى القرآن الكريم لينير ظلمات الشك والشرك ويخرج الناس من ظلمات الكفر إلى نور الإيمان ليفتح بذلك أملاً جديداً لكل تائه أو حائر وكل باحث عن الهدى والرشاد لذلك سماه الله تعالى نوراً ورأت أمه حين ولدته نوراً وجاء بالنور الذي أشرقت عليه السماوات والأرض وصلح به أمر الدنيا والآخرة فمن اتبع هديه وسنته هداه الله تعالى إلى طريق النجاة والسلامة ومناهج الاستقامة.
قال تعالى {قَدْ جَاءَكُمْ مِنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلَامِ وَيُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} فأجمل منك لم تر قط عيني وأجمل منك لم تلد النساء خلقت مبرأ من كل عيب كأنك قد خلقت كما تشاء وصفة شاعر النبي حسان بن ثابت بهذه الكلمات وكأنها اتية من الجنة نبينا العظيم فاض الشوق إليك فماذا عسانا أن نقدم لك في يوم ميلادك العظيم فأنت أشرف الخلق والمرسلين وسيد الكونين والثقلين وأنت من يتجلى النور بوجهه وتنحني جلالة الذكرى لك طبت حيا وميتا يا سيدنا ونبينا ومولانا وطابت ذكراك المعطرة بنور الله الشوق إليك وإلى رؤية وجهك الكريم.
نبينا العظيم صلّى عليك الله في عليائه وبك تنزلت آيات القرآن الكريم والروح ابتهجت لأنك نبيها وسيدها ولا يوجد من هو أعظم منك في الوجود ولا يوجد أحد توازي مكانته مكانتك العظيمة أنت خير نبي وأعظم إنسان وفي يوم ميلادك يستعيد المسلمون كل تفاصيل سيرتك العطرة المليئة بالعبر والتضحيات والمواقف الرائعة التي دافعت بها عن الإسلام ووقفت في وجه كل من حاول أن يعتدي على هذا الدين العظيم.
ميلادك يا نبي الله ليس يوما عاديا ولن يكون إنما هو يوم لميلاد أمة وهي أمة الإسلام التي فضلها الله تعالى على كلّ الأمم وجعل أسمك في شعار التوحيد و الشهادة اشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله حتي نقولها كل يوم في حياتنا تعظيما واجلالا اليك يا امام المرسلين ويا له من نور وشرف عظيم ينتمي فيه المسلم إلى أعظم نبي في يوم ميلادك يا نبي الله يقف المسلمون صفا واحدا موحدين متحابين ينتمون إلى نبيهم العظيم الذي اصطفاه الله تعالى من بين جميع العباد ليكلفه حمل الرسالة وتبليغ الأمانة وليس غريباً أن يشعر المسلمون في كل عام تمر فيه ذكرى ميلاد النبي أن هذا اليوم هو خاص بهم جميعا لأنه يملأ قلوبهم بالصفاء والبهجة وحب الحياة ولادة نبي الأمة كانت مليئة بالعبر والدروس الكثيرة ويكفي أن الله تعالى جعل هلاك من أرادوا هدم الكعبة في العام الذي ولد فيه النبي العظيم وأمطرهم بحجارة من سجيل وفي يوم مولده أشرقت الأرض بنور ربها وفاض النور في جميع مكة وما حولها ابتهاجا بقدومه لقد كان يوما عظيما يشهد له كل من حضر وهذا دليل على أنه ميلاد خير البشر ولد سيد الخلق وخاتم الأنبياء والمرسلين في يوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول من عام الفيل حيث أضاء بحسنه مكة المكرمة التي ولد فيها فكان بشرى لأمه آمنة بنت وهب وخير خلف لأبيه الهاشمي المتوفى عبد الله بن عبد المطلب ومصدر فخر وسرور لجده عبد المطلب الذي تبناه بعد وفاة أمه ثم ولّى أمره لعمه أبي طالب من بعده فعاش الرسول الكريم أربعين سنة قبل البعثة وثلاثة عشر سنة بعدها في مكة المكرمة فيما قضى العشرة الباقية من عمره في المدينة المنورة وننظر الي حياة الرسول صلى الله عليه وسلم أن نتخذ عبرة للمسلمين والمسلمات والمؤمنين في كل شئ في تربية الأبناء ومعاملة الزوجات والمعاملة الناس اجمع
كان الرسول يعامل الناس وصف الله عزّ وجلّ رسوله محمّد صلى الله عليه وسلم.
فقال سبحانه وتعالى (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ) وما وصفه الله بذلك إلا لعظيم شأن مكارم الأخلاق في الإسلام وعلو منزلته النبيّ القدوة في تعامله مع أهل بيته وأصحابه والأطفال وحتى أعدائه تعامل النبي الكريم مع أهل بيته معاملة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم مع أهل بيته جامعة لحسن الخلق فكان يلاطف الكبير والصغير ويقوم بخدمة نفسه وأهل بيته وكان عليه الصلاة والسلام يخيط نعله ويرقع ثوبه ويتعامل مع زوجاته بقدر ما تملك كل منهم من الحكمة ورجاحة العقل وربما داعبهن فسابقهن كما كان يسابق عائشة رضي الله عنها وإن قدم له طعام فاشتهاه أكله وإلا تركه دون أن يعيبه وما كان ليغضب إلا إذا رأى حرمات الله تنتهك فلم يغضب لنفسه قط وكان يحرص على مناداة كل زوجة من زوجاته بأحب الأسماء إليها فقد كان ينادي عائشة رضي الله عنها.
فيقول (يا عائش هذا جبريل يقرئك السلام) وتروي لنا عائشة فتقول (كان رسول الله صلى اللَّه عليه وسلم يقبل إحدى نسائه وهو صائم ثم تضحك) وإن مما يؤلف بين الزوج والزوجة كما قال رسول الله (وإنَّكَ مَهْما أنْفَقْتَ مِن نَفَقَةٍ فإنَّها صَدَقَةٌ حتَّى اللُّقْمَةُ الَّتي تَرْفَعُها إلى في امْرَأَتِكَ) فهذا الفعل يزيد الود ويعتبر أحد أبواب الصدقة فلننظر لحياة سيد الخلق من حيث الخلق والطباع والمعاملة مع القريب والغريب والعدو مع زوجاتة مع الأطفال حقا اخلاق نقتضي بها في كل شئ.
إن ذكرى المولد النبوي الشريف تمثل منارة أمل تتجدد في كل عام فرصة لكل مسلم للإقبال على الله تعالى وإحداث التغيير في نفسه وهي خير نافذة يتطلع منها المؤمنون إلى واقع ومستقبل جديد ملؤه الأمل والتفاؤل والسعي نحو النهوض فكما نهضت البشرية من قبل بمولد النبي صلى الله عليه وسلم بعد أن عمت فيها ظلمات الجاهلية لهي اليوم أقدر على النهوض وأجدر أن تزيح عن كاهلها ركام الجهل والعصبية خاصة وأن تعاليم النبي صلى الله عليه وسلم لا زالت حاضرة في قلوبنا ومحبته قائمة في وجدانناً وكتاب الله تعالى يرشدنا إلى ما فيه الخير والصلاح.