ذكرى أكتوبر.. شهر العزة والكرامة، تلك الملحمة التي مهما تحدثنا عنها لن تنال حقها الكامل، فحرب أكتوبر ستظل دروسها ومواقفها خالدة في وجدان الأمة، وأنا على يقين أنها لم تبح بكل أسرارها بعد.
ومهما حاولنا وصف مدى الفخر والسعادة، فلن نستطيع أن نفي هذا الإعجاز الكبير حقه، لجيش كان يحارب بعقيدة راسخة، وفي ظل تلاحم شعبي غير مسبوق، عبَر بنا نحو النصر الذي علّم العالم أجمع أهم وأقوى الدروس.
ذلك التلاحم الشعبي لم يكن مجرد شعار، بل كان حالة حقيقية وفريدة، جسّدت وحدة الشعب المصري بكل فئاته.
فكل بيت دون استثناء كان يشارك في الحرب بفرد واحد على الأقل، ونحن في عائلتنا كنا ثلاثة أفراد منتمين للقوات المسلحة ومشاركين في الحرب، من بينهم شقيقي اللواء أركان حرب أحمد مختار محافظ الوادي الجديد الأسبق، وكذلك زوج شقيقتي، وكنت أنا أيضًا أحد المشاركين في هذه الملحمة العظيمة، ولي الفخر في ذلك.
وفي هذا اليوم، ونحن نسترجع بطولات الأبطال ونبعث لهم بالتحية والإجلال، أوجّه رسالة خاصة لروح واحد من أعظم من أنجبتهم العسكرية المصرية، أحد أبطال حرب أكتوبر العظيمة، داعيًا له بالرحمة والعزة في يوم النصر.
وبصفتي أحد المشاركين في هذه الملحمة، فمن الواجب أن أنقل لمن لم يعاصرها بعض المواقف التي تجسد معنى الوطنية، حتى يتعلم شبابنا قيمة الوطن والتضحية من أجله.
أتذكر موقفًا لا يُنسى كلما يأتي يوم 7 أكتوبر من كل عام.
كنت أثناء خدمتي ضابط احتياط في مطار طنطا العسكري، حيث كنا نعمل بإصرار وعزيمة لا توصف في تجهيز المطار وإصلاح الأضرار الناتجة عن هجمات العدو.
حققنا آنذاك أرقامًا قياسية في إعادة تأهيل ممرات الطائرات خلال أقل من ثماني ساعات، ليتمكن الطيران من تنفيذ مهام النصر.
أما المشهد الذي لا يُمحى من الذاكرة، فكان لعسكريين شعبيين ومدنيين من أبناء طنطا، الذين اندفعوا لمساعدتنا دون خوف أو تردد.
كانت الأرض الطينية المحيطة بالمطار تُغطى بالطين والأتربة بعد كل انفجار، لكننا كنا نرى جحافل من أبناء الشعب المصري، بسيارات النقل والمعدات، يهرعون لمساندتنا في رفع الطمي وإعادة تأهيل الممرات، وسط خطر القصف، في مشهد لا يمكن وصفه إلا بأنه صورة حية من روح أكتوبر.
قرية محلة مرحوم كانت نموذجًا في الوطنية، برجالها وشبابها وسيداتها، وكل منهم يحمل ما يستطيع من أدوات من بيته أو محله للمشاركة في العمل.
أتحدث عن هذا الموقف تحديدًا حتى ندرك أن سر عظمتنا وقدرتنا على قهر الصعاب عبر التاريخ، يكمن في التلاحم الشعبي، ونحن اليوم في أمسّ الحاجة إلى استعادة تلك الروح، في مواجهة ما نشهده من محاولات لبث روح الفرقة واليأس بين أبناء الوطن، وهو نهج اعتادته جماعة الإخوان الإرهابية وأهل الشر.
إن يقيني راسخ بأن جينات الشعب المصري لا يمكن تغييرها، وسيظل هذا الشعب بمشيئة الله حائط الصد الصلب أمام كل محاولات الهدم.
ولعلنا نرى أمثلة لذلك حتى في كرة القدم، حيث تتجلى روح الدعم والمؤازرة غير المسبوقة للمنتخبات والأندية في المواقف الصعبة.
فلنجعل من روح أكتوبر دافعًا لاستنفار الهمم لعبور التحديات الحالية، والوقوف يدًا واحدة خلف جيشنا وقيادتنا، فذلك هو السبيل الحقيقي لعبور جديد يليق بتاريخ هذا الوطن العريق.