لم تعد كرة القدم العالمية تُدار بنفس المنطق التقليدي القائم على «النادي الاجتماعي» والعضويات والجمعيات العمومية والانتخابات، كما هو الحال في عدد من الدول، وعلى رأسها مصر.
الغالبية العظمى من الأندية الكبرى اليوم تعمل وفق نموذج شركة كرة قدم محترفة، تُدار بعقلية اقتصادية واستثمارية بحتة، يكون فيها الملعب والفريق والجماهير هم جوهر المشروع، دون تشابك مع أنشطة اجتماعية أو خدمية موازية.
في هذا النموذج، تتحول الجماهير إلى داعم ومستهلك للمنتج الكروي، لا عضوًا في نادٍ اجتماعي، ولا طرفًا في صراعات انتخابية أو أعباء تشغيلية بعيدة عن كرة القدم.. كما يغيب شرط وجود مقرات اجتماعية ضخمة أو التزامات مالية متبادلة بين النشاط الرياضي والأنشطة الأخرى، وهو ما يمنح الإدارة مرونة أكبر في اتخاذ القرار والتركيز الكامل على تطوير الفريق وتحقيق النجاح الرياضي.
تجارب عالمية ناجحة
تجسد العديد من الأندية العالمية هذا التوجه بوضوح.. ففي ألمانيا، تُدار أندية مثل آر بي لايبزيج وباير ليفركوزن وفولفسبورج بعقلية احترافية خالصة..وفي فرنسا، يمثل باريس سان جيرمان وموناكو نموذجًا واضحًا للفصل بين كرة القدم والنشاط الاجتماعي.
أما في إيطاليا، فتسير أندية عريقة مثل يوفنتوس وميلان وإنتر ميلان على النهج ذاته، وهو ما ينطبق أيضًا على أندية إسبانيا كفالنسيا وإشبيلية وفياريال.
وفي إنجلترا، حيث تُعد كرة القدم صناعة متكاملة، تعمل أندية مثل مانشستر سيتي وتشيلسي وليفربول وأرسنال ومانشستر يونايتد كشركات رياضية كبرى، بينما يشهد الدوري الأمريكي نماذج حديثة مثل إنتر ميامي ولوس أنجلوس جالاكسي ونيويورك سيتي، التي قامت منذ تأسيسها على هذا الفكر الاستثماري.
لماذا يُعد النموذج الاحترافي هو السائد؟
يرى خبراء الإدارة الرياضية أن نموذج شركة كرة القدم المحترفة يحقق عدة مكاسب، أبرزها الاستدامة المالية، ورفع مستوى التنافسية الرياضية، والتحرر من القيود الإدارية التي لا تخدم الفريق الأول ..كما يسمح هذا النموذج بجذب الاستثمارات، وتطوير البنية التحتية، والاهتمام الحقيقي بقطاع الناشئين، دون الوقوع تحت ضغوط جماهيرية أو انتخابية موسمية.
هل تنجح التجربة في مصر؟
يبقى السؤال الأهم: هل يمكن «تمصير» هذا النموذج وتطبيقه في الكرة المصرية؟
الواقع يشير إلى أن الأندية الجماهيرية في مصر تمتلك قواعد دعم بالملايين، ما قد يجعل الجمهور عنصرًا فاعلًا في دعم المشروع الكروي وتمويله وإنقاذه من الديون والأزمات، إذا ما أُدير الأمر بشفافية وحوكمة حقيقية.
في المقابل، تظل المخاوف قائمة من أن تتحول الفكرة إلى مجرد شعارات براقة، يتم من خلالها استدراج الجماهير دون تغيير حقيقي في منظومة الإدارة، لتبقى السلطة في يد نفس الأسماء وأباطرة الرياضة، مع تحميل الجمهور وحده تكلفة الفشل.
بين الحلم والواقع
ما بين نجاح التجارب العالمية وتعقيدات الواقع المحلي، تبقى كرة القدم المصرية أمام مفترق طرق..فإما تبنّي نموذج احترافي حقيقي يضع كرة القدم في الصدارة، أو الاستمرار في منظومة تقليدية أثبتت محدودية قدرتها على مواكبة عالم بات يُدار فيه المستطيل الأخضر بلغة الأرقام والاستثمار قبل الهتاف والشعارات.













