محمد الأسيوطي
رغم أنها اللعبة الشعبية الأولى في مصر، تصف أغلب الأندية نشاط كرة القدم بأنه «خاسر»، وتؤكد أن حجم الإنفاق يفوق العوائد عامًا بعد عام.
فهل كرة القدم المصرية خاسرة بالفعل؟
الحقيقة أن السؤال الصحيح ليس ما إذا كانت الكرة خاسرة بطبيعتها، بل كيف تُدار: هل هناك إدارة تسمح لكرة القدم أن تولد ربحًا حقيقيًا ومستدامًا؟
في العالم، تُدار كرة القدم كصناعة اقتصادية، وليست كهواية أو نشاط اجتماعي. لها قواعد صارمة، ومصادر دخل محددة، لا تعتمد على التبرعات أو الدعم الحكومي، بل على ما تحققه اللعبة نفسها من عوائد، وهو ما يُعرف بـ «الربح النظيف».
ما هي عوامل الربح النظيفة؟
تعني «عوامل الربح النظيفة» كل الأموال التي يحققها النادي نتيجة ممارسة كرة القدم نفسها، دون الاعتماد على:
دعم اجتماعي أو تبرعات
قروض
أموال اشتراكات أو فروع النادي الاجتماعي
تدخلات حكومية
وهي الفلسفة التي تعتمد عليها FIFA وUEFA في قواعد اللعب المالي النظيف، والتي تهدف إلى منع الأندية من إنفاق أموال تتجاوز الدخل الحقيقي.
حقوق البث .. المصدر الأقوى عالميًا والأضعف محليًا
تُمثل حقوق البث الأموال التي تحصل عليها الأندية مقابل إذاعة المباريات عبر القنوات التلفزيونية والمنصات الرقمية. عالميًا، هي المصدر الأول للدخل، بينما في مصر تظل محدودة للغاية، لأسباب عدة:
البيع المركزي منخفض القيمة عبر الاتحاد المصري لكرة القدم ورابطة الأندية.
غياب المنافسة بين القنوات والمنصات، وضعف التسويق من إدارات الكرة
عدم ربط العوائد بالجماهيرية أو نسب المشاهدة، وغياب الشفافية في إعلان الأرقام ونسب التوزيع.
رغم ضعف هذه العوائد، فهي ربح نظيف، لكنها تكشف خللًا تسويقيًا ومؤسسيًا، لا خللًا في كرة القدم نفسها.
إيرادات يوم المباراة .. دخل شبه معدوم
تشمل إيرادات يوم المباراة:
تذاكر الحضور
المقصورات والخدمات المميزة
الإعلانات داخل الملعب
مبيعات الأطعمة والمشروبات
في مصر، هذه الإيرادات هامشية، بسبب:
قيود الحضور الجماهيري
ارتفاع أسعار التذاكر
ضعف البنية التحتية والخدمات
غياب الإدارة الاحترافية للملاعب والتسويق
رغم ذلك، تُعد مؤشرًا عالميًا على كفاءة تشغيل الأندية وتظل جزءًا من الدخل النظيف.
الرعايات التجارية .. بين الربح والدعم المقنّع
الرعايات تشمل:
الراعي الرئيسي
رعاة القميص
رعاة التدريب
الرعاة الإقليميين
لا تُعد الرعاية ربحًا نظيفًا إلا إذا كانت:
بعقود معلنة
بقيمة سوقية عادلة
خاضعة لرقابة مالية رياضية متخصصة
أما الرعايات المبالغ فيها لإنقاذ الميزانيات، أو المرتبطة إداريًا، فهي دعم مقنّع يخل بالمنافسة، ويبرز أزمة الأندية الجماهيرية.
التسويق والمنتجات.. فرصة ضائعة
تشمل الإيرادات:
القمصان الرسمية
المنتجات التجارية
المتاجر الفعلية والرقمية
رغم الجماهيرية الضخمة، مساهمة هذا البند ضعيفة بسبب:
ارتفاع الأسعار (قد يصل القميص الرسمي إلى 5 آلاف جنيه)
انتشار المنتجات المقلدة
ضعف الحماية القانونية وغياب منظومة تسويق متكاملة
مع ذلك، تظل هذه الإيرادات من أنظف مصادر الربح، لارتباطها المباشر بالجمهور.
انتقالات اللاعبين .. بيع اضطراري
تشمل عوائد الانتقالات:
بيع اللاعبين
نسب إعادة البيع
مكافآت التضامن من FIFA
الربح الحقيقي يتحقق عندما يكون اللاعب نتاج قطاع ناشئين أو تم تطويره داخل النادي.
في الواقع المصري، تحقق أندية قليلة فائضًا حقيقيًا، بينما أغلبها يبيع لاعبيه لسد العجز المالي.
الجوائز والمكافآت .. دخل غير مضمون
تشمل الجوائز البطولات المحلية والقارية والمشاركات الدولية. وهي دخل متغير، لا يصلح كأساس للاستدامة، لكنه يظل جزءًا من الدخل النظيف ويُنظر إليه كعامل تحفيزي.
الحقوق الرقمية .. كنز غير مستغل
تشمل:
المحتوى الرقمي
منصات الاشتراك
حقوق الصورة واستغلال صور اللاعبين وشعار النادي
قنوات الأندية
رغم الانتشار الواسع لمنصات التواصل، فإن الحقوق الرقمية غير مستغلة تقريبًا، في خلل إداري وتسويقي واضح.
الخلاصة الأولى: هل كرة القدم خاسرة؟
ليست كرة القدم خاسرة بطبيعتها، بل تصبح كذلك عند:
غياب أدوات الربح
غياب قواعد ملزمة
سوء الإدارة واستغلال الموارد
خلط المال الاجتماعي بالرياضي
تدخلات خارجية تفسد السوق
مشكل أي نادي لا يحقق دخلًا ليس في كرة القدم، بل في الإدارة والرقابة.
تقسيم الأندية في إطار العدالة المالية
الأهلي والزمالك
يتم التعامل مع الناديين باستثناءات غير موجودة عالميًا:
عدم عدالة توزيع حقوق البث
تركيز الرعايات والإعلانات عليهم
ضعف الرقابة على عقود الرعاية
أندية الشركات والهيئات
يجب أن تحقق الربح من النشاط الرياضي نفسه. الإنفاق المباشر للمالك يُعد تشويهًا للمنافسة.
الأندية الجماهيرية
تحتاج إلى:
تشريعات للعدالة المالية
قوانين شفافية لإعلان أرقام الرعايات وحقوق البث
سياسات استدامة ضمن منظومة احترافية
تصريحات مسؤولي الأندية ووزارة الرياضة
خالد مرتجي، أمين صندوق الأهلي، يوليو 2023:
«عوائد التذاكر والبث لا تسمح بتطبيق اللعب المالي النظيف، والإنفاق الرياضي يغطيه النادي الاجتماعي بنسبة 20 أو 30%، وهذا الوضع في كل أندية أفريقيا.»
حسام المندوه الحسيني، أمين صندوق الزمالك، أكتوبر 2025:
«800 مليون جنيه من بيع وحدات أرض أكتوبر تم توجيهها للإنشاء وجزء لسداد مستحقات اللاعبين، ما يوضح الاعتماد على مصادر خارج كرة القدم.»
محمد الدماطي، عضو مجلس إدارة الأهلي، أكتوبر 2024:
«الالتزامات الدولارية تفوق المداخيل، ورغم ذلك يلتزم النادي دون إيقاف قيد.»
الدكتور أشرف صبحي، وزير الرياضة:
«تعديلات قانون الرياضة تهدف لاستدامة المال الرياضي، وإصلاح العيوب، وإرسال لجان تفتيش للتحقق من أي مخالفات، حفاظًا على نزاهة المنافسات.»
أرقام الأزمة المالية
الأهلي: خسائر تجاوزت 200 مليون جنيه سنويًا لخمس سنوات قبل 2024، ثم تحقيق تعادل وفائض محدود آخر موسمين.
الزمالك: ديون وخسائر تتجاوز 500 مليون جنيه منذ خمس سنوات، مع اعتماد على مصادر خارج النشاط الكروي.
الإسماعيلي: ديونه نحو 700 مليون جنيه، أزمة تهدد استقراره.
الوضع المالي أكثر حدة في أندية أصغر، مما يهدد الاستقرار الرياضي والمنافسة العادلة.
لماذا تفشل شركات كرة القدم؟
لأنها تُنشأ دون:
ضبط مالي صارم
عدالة توزيع حقوق البث
رقابة على الرعايات
إدارة احترافية
قاعدة إيرادات ثابتة وشفافة
بدون هذه العناصر، تظل شركات الكرة خاسرة أو شكلية.
كرة القدم المصرية في انتظار الاحتراف
وختاماً أقول أن هذا التقرير يثبت أن الكرة المصرية لم تدخل بعد منطق الاحتراف الاقتصادي، وأن تطبيق قواعد اللعب المالي النظيف يحتاج وقتًا ومقدمات غير متوفرة بعد سنوات طويلة من الهواية.
والهدف: توصيف الواقع .. كرة القدم المصرية نشاط هواة، في انتظار أدوات الربح والاحتراف، ضمن تعديلات تشريعية واقتصادية ورقابية طال انتظارها،
لتطوير صناعة الرياضة ومواكبة العالمية وصناعة المجد الوطني من خلال قوة الرياضة وعراقة الرياضة المصرية.













